الدرس الثاني
معنى كلمة ( الإسلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
عرفنا في درسنا السابق أن الإسلام هو دين الله الذي لا يقبل سواه، وأن أصله وأساسه هو توحيد الله.
وفي هذا الدرس نسلط الضوء على معنى كلمة ( الإسلام ) ما المقصود بهذه الكلمة؟
فنقول وبالله التوفيق:
أصل كلمة الإسلام: أسلم ، قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:83) وقال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:112) . وقال عز وجل: (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً)(الجـن: من الآية14) وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131) وقال سبحانه: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ )(آل عمران: من الآية20) . وقال عن ملكة سبأ: (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(النمل: من الآية44) .
وقال زيد بن عمرو بن نفيل: أسلمتُ وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثِقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المُزْنُ تحمل عذبا زُلالا
ومعنى أسلم: استسلم وانقاد وأخلص
قال ابن جرير الطبري: وأما قوله (من أسلم وجهه لله) فإنه يعني بإسلام الوجه التذلل لطاعته والإذعان لأمره . وأصل الإسلام الاستسلام لأنه مِن (استسلمتُ لأمره) وهو الخضوع لأمره.
وإنما سمي المسلم مسلما بخضوع جوارحه لطاعة ربه.
وكما قال زيد بن عمرو بن نفيل: وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا. يعني بذلك استسلمت لطاعة من استسلم لطاعته المزن وانقادت له.انتهى
فالإسلام هو : الاستسلام الخالص لله عز وجل.
يقول ابن تيمية : والإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، فمن استسلم له ولغيره فهو مشرك، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر، وكلاهما ضد الإسلام . انتهى
وقال البغوي رحمه الله: والإسلام هو الدخول في السِّلم ، وهو الانقياد والطاعة ، يقال: أسلم أي دخل في السلم واستسلم ، قال قتادة في قوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) قال: شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله تعالى ، وهو دين الله الذي شرع لنفسه وبعث به رسله ، ودلَّ عليه أولياءه ، فلا يقبل غيره ولا يجزي إلا به. انتهى
فدين الإسلام يتضمن معنيين لايقوم إلا بهما:
1. الاستسلام والانقياد والطاعة والاتباع ، وضدها الاستكبار
2. الإخلاص ، وضده الشرك
فالإسلام هو الاستسلام لله وحده من غير إشراك به أو استكبار عن الانقياد له.
فالاستكبار أخرج إبليس -عليه لعنة الله- من الإسلام وصار من الكافرين ، قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34)
والإشراك أخرج خلقا كثيرا كانوا على الإسلام فصاروا مشركين بالله ، وذلك باستسلامهم وانقيادهم لله ولغير الله ، كما حدث مع قوم نوح لما عبدوا مع الله ما زينته لهم الشياطين ، وما حدث مع العرب لمّا خرجوا عن ملة إبراهيم بطاعة من جعلوهم شركاء مع الله يقبلون ما شرعوا لهم من الدين الذي لم يأذن به الله ، قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)(الشورى: من الآية21)
وكما حدث مع أهل الكتاب لما خرجوا عن دين موسى وعيسى بطاعة أحبارهم ورهبانهم فيما شرعوه لهم مخالفا لشرع الله ، قال عز وجل: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)
فهذا الاتباع والانقياد لتشريع غير الله عز وجل هو استسلام لغير الله يناقض الإسلام لله رب العالمين دين إبراهيم الحنيفية السمحة ، وهذا ما لا يعرفه أكثر الناس اليوم الذين يزعمون أنهم مسلمون ، فهم يعتبرون أنفسهم مسلمين مع اتباعهم لحكامهم وعلمائهم المشرعين لهم من دون الله، فيتبعون الله ويتبعون غير الله ويقولون نحن مسلمون لله!!. وهو عين ما حدث في أهل الكتاب حيث اتبعوا أحبارهم ورهبانهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله وتبديل شرعه، ولم يعتبروا فعلهم هذا خروجا عن دين المرسلين ، بل زعموا أنهم أولياء الله وأحباؤه.
والمعنى الصحيح للإسلام كما يقرره الله تعالى هو الاستسلام لله وحده بعبادته وحده وطاعة رسوله ، والدليل قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر:29)
هذا المثل ضربه الله عز وجل يبين به الفرق بين المسلم الموحد الذي يعبد إلها واحدا ، وبين المشرك الذي يعبد آلهة غير الله؛ فالعبد الذي يطيع سيداً واحداً هو مثل المسلم الذي لا يعبد إلا الله ، ففيه دليل على أن الإسلام هو الاستسلام لله وحده.
ومن المعلوم أن العلاقة بين العبد وسيده تقوم على الطاعة والامتثال من العبد والأمر والنهي والتوجيه من السيد.
فالعبد الذي له سيد واحد كالمسلم له رب واحد ومعبود واحد لا يعبد غيره.
والعبد الذي له أكثر من سيد كالمشرك له أكثر من إله يعبده مع الله.
والإسلام هو ملة إبراهيم عليه السلام ، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131) ، أي أسلمت لله وحده. وكذلك أمر الله عز وجل نبينا أن يقول: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا )(آل عمران: من الآية20)
فالذي يدين بالإسلام يستسلم وينقاد ويتبع ويحكِّم شرع الله ، ولا يستكبر عن عبادة الله ، ولا يستسلم وينقاد ويتبع ويحكِّم غير شرع الله.
فالمسلم من استسلم لله وحده ، وأخلص عبوديته له بقبول شرعه والانقياد له ورفض ما سواه والكفر به.
أما من استسلم لله واستسلم لغيره فقد جعل العبودية لله ولغيره ، ولا يمكن أن يكون هذا مسلما لله حتى يفرد الله بالاستسلام والعبودية ويكفر بعبودية غيره.
فقبول التشريع من غير الله هو عبودية ودينونة لغير الله ، والله عز وجل يقول: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(يوسف: من الآية40)
وقال تعالى
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (لأعراف:3) وقال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)
يقول الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره وهذا الذي وصاكم به ربكم أيها الناس في هاتين الآيتين من قوله (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) وأمركم بالوفاء به هو صراطه: يعني طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده.
(مستقيما) يعني قويما لا اعوجاج به عن الحق
(فاتبعوه) يقول فاعملوا به واجعلوه لأنفسكم منهاجا تسلكونه.
(فاتبعوه ولا تتبعوا السبل) يقول: ولا تسلكوا طريقا سواه ولا تركبوا منهاجا غيره ولا تبغوا دينا خلافه ، من اليهودية والنصرانية والمجوسية ، وعبادة الأوثان ، وغير ذلك من الملل فإنها بدع وضلالات.
(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) يقول: فيشتت بكم - إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا أديان- إتباعكم عن سبيله ، يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه وهو الإسلام الذي وصى به الأنبياء والأمم قبلكم . انتهى
وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
قال أبو الليث السمرقندي في تفسيره: قال الضحاك: يعني لا يقبل الله من جميع الخلق من أهل الأديان دينا غير الإسلام ، ومن تدين بدين غير دين الإسلام (فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) أي من المغبونين؛ لأنه ترك منزله في الجنة واختار منزله في النار. انتهى
قال ابن القيم: "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به ، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل ...... بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر ....." انتهى
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله. انتهى
هذا هو مفهوم الإسلام بشكل عام، وقد سبق أن قلنا أن أصل الإسلام هو التوحيد وهو معنى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله إحدى الشهادتين وتليها شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاتان الشهادتان هما أصل الدين الذي جاء به خاتم المرسلين ولا يتحقق إلا بهما.
يقول ابن تيمية رحمه الله : فعلى العبد أن يعبد الله مخلصا له الدين ، ويدعوه مخلصا له ، لا يسقط هذا عنه بحال ، ولا يدخل الجنة إلا أهل التوحيد ، وهم أهل لا إله إلا الله.
فهذا حق الله على كل عبد من عباده ، كما في الصحيحين من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده) قلت: الله ورسوله أعلم ، قال ( حقه عليهم أن يعبدوه لايشركوا به شيئا) ، الحديث
فلا ينجونَّ من عذاب الله إلا من أخلص لله دينه وعبادته ودعاه مخلصا له الدين ، ومن لم يشرك به ولم يعبده ، فهو معطل عن عبادته وعبادة غيره كفرعون وأمثاله ، فهو أسوأ حالا من المشرك ، فلابد من عبادة الله وحده ، وهذا واجب على كل أحد فلا يسقط عن أحد البتة ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله دينا غيره . انتهى
وقال رحمه الله في التحفة العراقية :
وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام ، إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره ، كما قال تعالى (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا) الآية فمن لم يستسلم له فقد استكبر ، ومن استسلم لله ولغيره فقد أشرك ، وكل من الكبر والشرك ضد الإسلام ، والإسلام ضد الشرك والكبر ، وذلك في القرآن كثير ، ولهذا كان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، وهي متضمنة عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه ، وهو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد من الأولين والآخرين دينا سواه . انتهى
ويقول رحمه الله في موضع آخر:
فمن بلغته رسالة محمد فلم يقر بما جاء به لم يكن مسلما ، ولا مؤمنا بل يكون كافرا ، وإن زعم أنه مسلم أو مؤمن.
..... إلى أن قال:
فهذا أصل عظيم ، على المسلم أن يعرفه ، فإنه أصل الإسلام الذي يتميز به أهل الإيمان من أهل الكفر ، وهو الإيمان بالوحدانية والرسالة: شهادة أن لا اله إلا الله ، وأن محمد رسول الله. وقد وقع كثير من الناس في الإخلال بحقيقة هذين الأصلين أو أحدهما مع ظنه أنه في غاية التحقيق والتوحيد ، والعلم والمعرفة .
فإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله إن لم يقترن به إقراره بأنه لا اله إلا الله ، فلا يستحق العبادة أحد إلا هو ، وأن محمدا رسول الله فيجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. انتهى
فالمسلمين من أول الخليقة إلى قيام الساعة دينهم واحد ، وهو الإسلام العام الذي أصله وأساسه شهادة أن لا اله إلا الله عقيدة وقولا وعملا. والذي جمعهم في قافلة واحدة ليس هو مجرد الاسم فقط ، ولكنه الدين الواحد لرب واحد ، أي الاستسلام الخالص لمعبود واحد.
وليس هو الانتساب للمسلمين ، والتسمي باسمهم ، ونطق اللسان بشهادتهم ، دون الإيمان بما آمنوا به والاستسلام الخالص لمن أسلموا له.
ولهذا كان حريّاً بمن أراد أن يكون من المسلمين حقاً أن يعرف دينهم الذي اجتمعوا عليه ، فإن الرجل لا يكون مسلما إلا بالاتباع ، وليس بمجرد الاسم والانتساب، قال تعالى حكاية عن إبراهيم: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (ابراهيم: من الآية36) . وقد كان نزول هذه الآية ردا لمن ادَّعوا أنهم على ملة إبراهيم وليسوا هم في الحقيقة متبعين لملته عليه السلام.
قال ابن جرير الطبري: وقوله (فمن تبعني فإنه مني) ، يقول فمن تبعني على ما أنا عليه من الإيمان بك ، وإخلاص العبادة لك ، وفراق عبادة الأوثان ، (فإنه مني) يقول: فإنه مُسْتَنٌ بسنتي ، وعامل بمثل عملي. انتهى
وقال أبو الليث السمرقندي: (فمن تبعني فإنه مني) ، يعني: من آمن بي فهو معي على ديني ويقال فهو من أمتي ، (ومن عصاني) ، يعني لم يطعني ولم يوحدك (فإنك غفور رحيم) إن تاب وأن توفقه حتى يسلم. انتهى
وقال الرازي في التفسير الكبير: (فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى) وذلك يفيد أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه. انتهى
ونحذر هنا في هذا المقام من خطر عظيم كان سببا في الفهم السيئ لحقيقة الدين عند كثير من الناس الذين ينتسبون للإسلام وغيرهم هذا الخطر هو المفهوم العلماني للدين ، فالعلمانيون يحصرون الدين في العلاقة بين العبد و ربه ويختزلونه في آداء الشعائر التعبدية من صلاة وصوم وزكاة وحج ونحوها، ويفصلون الدين عن نظام الدولة وواقع الحياة ، ويحاولون كل جهدهم أن يُفهموا الناس أن الإسلام مجرد طقوس تعبدية وأخلاق جميلة وأنه لا علاقة له بتنظيم واقع الناس وتسيير حياتهم وتحديد المنهج والنظام الذي يسيرون عليه ، يريدون بذلك تخدير من ينتسبون للإسلام كي لا يفيقوا بما يبدِّله الطواغيت من شريعة الرحمن وما يشرعونه من أحكام لا تمت للإسلام بصلة ، وقد استطاعوا بهذا التخدير والتمويه أن يتحكموا في دنيا الناس بما شاءوا ويسوقونهم حيث أرادوا ويجعلونهم عبيدا لهم مع الله عز وجل.
تجد في البنود الرسمية من الدستور أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد وأن القرآن هو شريعة المجتمع وتجد في واقع الحياة أن السيادة والحكم للقانون الوضعي البشري الخسيس.
إسلام ولكن لمن؟!! لله أم للقانون؟!! أم جزء لله وجزء للقانون؟!!
تعالى الله عما يشركون
( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء: من الآية60)
الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد والقرآن هو شريعة المجتمع وللحاكم أن يشرع ما شاء ويضع القانون الذي يريد وسوف يتلقى الشعب هذا القانون بكل صدر رحب ويضعونه على رؤسهم !!!!!!!!!
سبحان الله وتعالى عما يشركون
قال تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)(الأنعام: من الآية121)
إن قَبِلَ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه – أولئك الأخيار الأطهار – تشريعا واحدا من غير الله كانوا بذلك كفار مشركين كأبي جهل وأتباعه.
وقبول الناس اليوم لمئات التشريعات من غير الله لا يجعلهم كفارا لأنهم يقولون لا إله إلا الله ويقولون أن الديانة الرسمية للبلاد هو الإسلام !!!!!!!!!!
هكذا يريد البازيون والعثيميون والألبانيون والمدخليون وأتباعهم
سبحان الله وتعالى عما يشركون
هل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه لم يكونوا يقولون لا إله إلا الله عندما قال لهم الله عز وجل : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) ؟!!!!
أي حين عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره فذلك هو الشرك كما فسر الآية أئمتنا من السلف الصالح الذين لم يدخلوا في دين العلمانية
صبر جميل أيها البازيون والعثيميون والألبانيون والمدخليون وأتباعهم موعدنا يوم العرض يوم يقول أتباع المشرعين : (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:97: 98)
أي نجعل أمركم مطاعا كما يطاع رب العالمين
كانوا في الدنيا يجعلون أوامر سادتهم ورؤسائهم كأوامر الله يطيعونهم كما يطاع الله -
أسأل الله أن يسهل عليك فهم ما سطرته لك أيها القارئ الكريم
-
ولن نفهم الإسلام إلا إذا تحررنا من هذا المفهوم العلماني الخبيث وعُدْنا إلى المفهوم الصحيح الذي يحدده ربنا الذي شرع لنا هذا الدين، فالإسلام عند الله هو الاستسلام الكامل لله عز وجل والاتِّباع لشريعته وحده في جميع مجالات الحياة والاحتكام له وحده في تنظيم الحياة كلها.
فالإسلام إيمان بالله وحده وكفر بالأرباب والآلهة والأنداد المعبودة من دونه.
فالإسلام ليس مجرد عقائد غيبية وعبادات روحية وأخلاق زكية بل هو منهج ونظام كامل متكامل ينظم حياة المسلمين كلها، فالذي شرع لنا الصلاة والزكاة والصوم والحج هو الذي شرع لنا أحكام الزواج والطلاق وما يتعلق بها وهو الذي شرع لنا أحكام المعاملات مع بعضنا ومع غيرنا في السلم والحرب وهو الذي شرع لنا أحكام الحدود والعقوبات، فصلاتنا لله عبادة ومعاملاتنا في البيع والشراء وفق شرع الله عبادة وقطعنا يد السارق وجلدنا لشارب الخمر ورجمنا للزاني عبادة ، ولن نكون مسلمين لو اتبعنا شريعة الله في الصلاة والزكاة والصوم والحج واتبعنا شريعة غيره في الحدود والعقوبات والمعاملات.
فالدين لن يكون ديناً يرضاه الله إلا إذا كان خالصا لله وحده ، ولن يكون خالصا لله حتى تكون العبادة خالصة لله والحكم والتحاكم والطاعة والاتباع خالصا لله وحده، فلا نعبد غيره ولا نحتكم لسواه ولا نقبل تشريعا من غيره.
فإذا فهمنا الإسلام بهذه الصورة وطَبَّقناها في واقع حياتنا ورفضنا أي مفهوم وصورة أخرى للإسلام ففي هذه الحالة فقط نكون قد أسلمنا لله كما يريد ربنا وخالقنا ، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125) وقال عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162: 163) الصلاة والنسك والحياة كلها والممات أيضا لله وحده دون شريك . هذا هو دين الإسلام ملة إبراهيم دين النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
هذا هو الإسلام لا كما يريده العلمانيون ويمهد له البازيون والعثيميون والألبانيون الذين وقعوا في شراك العلمانية النتنة.
والذي نفسي يبده لقد فهم زيد بن عمرو بن نفيل معنى أن يكون مسلما لله لما قال:
أسلمتُ وجهي لمن أسلمت *** له الأرض تحمل صخراً ثِقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له المُزْنُ تحمل عذبا زُلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة *** أطاعت فصبت عليها سِجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت *** له الريح تصرف حالا فحالا
فهل أسلمت الأرض والمزن والريح لأحد غير الله ، فكيف يستسلم من يزعم الإسلام لغير الله خالقه ورازقه ومدبر أمره.
فتفكر ياعبد الله في نفسك هل شارك اللهَ أحدٌ في خلقك؟
فإن لم يكن أحد شاركه فهل أعانه أحد على خلقك؟
فإن لم يشاركه ولا أعانه أحد في خلقك. فهل وكَّل الله أمر تدبيرك وتصريف حياتك ورزقك وموتك وبعثك وحسابك أحداً من الخلق؟
فإن كنت تقر بأن الله وحده خالقك ومالكك ورازقك ومدبر أمرك ومصرف حياتك ومميتك وباعثك ومحاسبك ومجازيك فكيف تعطي لمخلوق ضعيف مثلك نصيباُ من حياتك يتصرف بها كيف يشاء بما يغضب ربك وخالقك؟ أين ذهب عقلك؟
قال الله تعالى: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف39 :40) وقال تعالى: (وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (يّـس22: 23: 24 :25) قال زيد بن عمرو بن نفيل:
أرباً واحدا أم ألف ربٍّ **** أدين إذا تقسَّمتِ الأمور
عزلتُ اللات والعزى جميعا *** كذلك يفعل الجَلَدُ الصبور
فلا عزى أَدِينُ ولا أبْنَتَيْها **** ولا صَنَمَي بني عمرو أزور
ولا هبلا أدين وكان ربا **** لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبتُ وفي الليالي معجبات *** وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالا **** كثيرا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين بِبِرِ قوم **** فيربل منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوما **** كما يتروَّح الغصنُ النضير
ولكن أعبد الرحمن ربي *** ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفور
فتقوى اللهِ ربِّكمُ احفظوها *** متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرار دراهم جنان *** وللكفار حاميةٌ سعير
وخزيٌ في الحياة وإن يموتوا*** يلاقوا ما تضيق به الصدور
الحمد لله الحمد لله الحمد لله الذي أخرجنا من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وأنقذنا بفضله ومنِّه وكرمه بعد أن كدنا نكون من جُثِيِّ جهنم وحطبها ، وجعلنا مسلمين له حنفاء غير مشركين به شيئا.
--
تابعونا بإذن الله في الدرس القادم الذي سيكون حول معنى لا إله إلا الله وكيفية الإيمان بها.